لجميع الشباب والشابات الفلسطينيين:
لا تسمحوا ابدا لرجل أمن “مريض نفسيا” آن يجعل حياتكم بائسة!

بعد رحلة مؤلمة وساحقة والمضايقات التي مارسوها ضدي في مطار بن غوريون، لم أكن في مزاج جيد.

كان لي الشرف بحضور أول “يوم فلسطيني على شرف ذوي الاحتياجات الخاصة والمهنيين الذين يخدمونهم” الذي عقد تحت رعاية معالي الدكتور سلام فياض، في رام الله. كان الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يرقصون ويغنون بسعادة في الحفل ويحلمون بمستقبل أفضل، ليثبتوا للعالم أن هذه الأمة ولدت للعيش والحب والنجاح والاحتفال والحلم بمستقبل أفضل.

بدأت قصتي في مطار بن غوريون عندما كنت مسافرة على متن الخطوط الجوية البريطانية رحلة رقم 0162 برفقة ابنتي يوم 12 تشرين الثاني 2010 من تل أبيب الى لندن هيثرو. كفلسطينيون مقدسيون يمكننا السفر عبر المطار في حين أن ذلك غير مسموح للفلسطينيين الآخرين في الضفة الغربية. وكالمعتاد، فإن الإجراءات الأمنية هناك مزعجة جدا لأي إنسان وليس للفلسطينيين فقط! ومع ذلك ليس لدي أي اعتراض على العملية نفسها حيث أنني أريد السفر بأمان. عادة يقوم ضباط اسرائيليين شباب بالفحص الأمني، ومن تجربتي كل منهم يختلف عن الآخر، فالبعض يقوم بعملهم بأكبر قدر ممكن من التحرش والبعض على عكس ذلك تماما.

لذلك أكون على استعداد دائم مع خطط بديلة، مثل الاستماع إلى الموسيقى المفضلة لدي أو قراءة كتاب جيد لجعل وقت الانتظار أسهل وأقل إرهاقا. انا أتوقع الأسوأ دائما؛ حيث أن الشعور بالسعادة أن حياتك لها معنى بدون الوقوع بالضائقة النفسية بعد العيش تحت الاحتلال العسكري لفترة طويلة، هو في حد ذاته نجاحا!

ابنتي التي هي شابة ناجحة مهنيا تم تفتيشها من قبل ضابطة شابة بطريقة غير لائقة سببت في مضايقتها! لم تكن هناك حاجة لي أن أسمع شكواها من الجانب الآخر من منطقة التفتيش فإن لغة جسدهما هي والضابطة كانت كافية للتعبير عن المنافسة بين الشابتين، المظلومة والظالمة! ابنتي كانت غاضبة جدا من الطريقة التي عوملت بها واشتكت لي شفتيها من بعيد، الأمر الذي اغضب الضابطة وقامت بالطلب من رئيسها، وهو شاب صغير بالعمر، أن يأتي لمساعدتها ليظهر “عضلاته” لهذه الشابة الفلسطينية! فقام هو بالرد؛ “حاولي منافستي، إذا لم تتصرفي بأدب سأريك، ولن تتمكني من السفر” تابع في تحديها حتى وصلت ابنتي الى الحافة! السخرية في الموقف، من الذي يسيء التصرف؟ المظلوم أم الظالم؟

كنت غاضبة جدا من مشاهدة ابنتي تتعرض للمضايقات. وأعربت عن مشاعري إلى ضابط الأمن الذي كان يفتشني بأدب وبصورة معقولة. على الرغم من وجود امتعة معي أكثر من ابنتي الا انني انتهيت من التفتيش قبلها! بعد تفتيش جميع أغراضي بشكل دقيق والقيام ب “فحص الجسم”، الذي يسمونه الاختبار المعدني (؟) ذهبت لمعرفة لماذا أخذت ابنتي وقتا طويلا في الفحص الأمني. قام المشرف بالتصرف بسوء معي وهددني بأنه سيعيد فحصه لي ولن يسمح لنا بالسفر إذا استمريت بالتساؤل!! على الرغم من أن نيتي كانت آن أسأل “لماذا تعذب ابنتي التي هي بنفس عمرك بدل أن تحاول أن تجد لغة مشتركة بينكم للتعايش”. ولكن على ما يبدو كنت مخطئة تماما بفتح مثل هذا الموضوع مع شخص مجنون بالشك وبائس ومعقد لا يفهم الا لغة القوة والحرب وليس على الإطلاق لغتي وموقفي المسالمين والمتحضرين.

حاولت التحدث معه بلغته لكنه أصبح أكثر غطرسة وقام بإظهار “الظلم للنظام” بشكل فخور أكثر كما أعرب بوضوح، وواصل بمماطلة عملية تفتيشنا حتى نفوت رحلتنا. حاولت مواساة ابنتي وأخبرتها بأنها ستكون على ما يرام وتنسى هذه التجربة المؤلمة لحظة صعودنا الى الطائرة. لحق بنا الضابط إلى مكتب استقبال شركة الطيران وقال خارج سياق الحديث انه أسعد شخص على وجه الأرض! لكنني أكدت له أنه مخطئ تماما وأنه أكثر شخص متغطرس وبائس قابلته في حياتي كلها، وأنني أشعر بالأسف لأمه أن لها ابن مثله. أصيب بالغضب الشديد عندما واجهته بهذا الواقع، الامر الذي زاد من مضايقته لنا بأخذه جوازات سفرنا وحرماننا من الصعود الى الطائرة!

كان المشهد على هذا النحو في المطار: قالت لي ممثلة الخطوط الجوية البريطانية (السيدة تال بيزانتي) انني ادفع الثمن لأنني جاوبته وعبرت عن رأيي وأنها لا تستطيع أن تفعل شيئا مع الأمن وانه سوف يقوم باستدعاء الشرطة، لذلك وافقنا على الانتظار لحين قدوم الشرطة، اللذين لم يأتوا. لم يكن لدينا جوازات سفرنا ولم يكن بإمكاننا الحصول على بطاقات الصعود إلى الطائرة! بينما كنا ننتظر بدأت استمع لموسيقيتي المفضلة والقراءة من الايباد الخاص بي وبدأت ابنتي اللعب بهاتفها الذكي، وهو يراقبنا، حتى اتت الشرطة ونحن على يقين من أن رحلتنا قد فاتتنا وبدأنا بالتفكير بخطط بديلة. انتظرنا لمدة أربعين دقيقة ثم قمت بالاتصال بمحاميتي الإسرائيلية وشرحت لها ما حدث، وفي الوقت نفسه قام الضابط الذي فتشنا بملء استمارة شكوى. اظهرت لغة جسد معظم الضباط الشباب الذين حاصرونا وكانوا يتساءلون عما حدث، الدعم لنا، حتى أن بعض منهم أعربوا عن تعاطفهم شفهيا. واصلت محادثة “ضمير” هؤلاء الشباب كأم وانسانة مؤمنة في الجانب الإنساني لكل فرد وناشطة في مجال حقوق الإنسان وكفلسطينية تؤمن حقا بالتعايش المشترك على أساس المساواة والتنوع والاحترام والحرية، ولن تتخلى أبدا عن مبادئها للتعبير عن رأيها والكفاح من أجل مستقبل أفضل للجيل الجديد.

وأخيرا قررت ممثلة شركة الطيران إصدار بطاقات صعود لنا إلى الطائرة وترتيب نقل خاص للوصول إلى البوابة.

مشاهدتها تحاول قصارى جهدها لمساعدتنا، وقراءة وجوه العديد من الضباط الشباب الإسرائيليين، الذين حاولوا أيضا مساعدتنا في الوصول إلى البوابة ببضع دقائق قبل اقلاع الطائرة، أمر جعلني أبكي. بكيت لأنني شعرت بأن هناك إسرائيليين مختلفين ولديهم ضمير حي.

أنا في عملية متابعة الضابط قانونيا لأنه بالإضافة الى سوء سلوكه حاول “سرقة وإخفاء” تأشيرتي الدائمة، الأمر الذي يعتبر “عمل إجرامي”! في نفس الوقت قمت بإرسال كتاب شكر إلى شركة الطيران للتعبير عن مساعدة ممثلتهم وحصلت على رد منهم.

أريد أن اتابعه قانونيا، حتى لو فشلت في تحقيق العدالة، وذلك لثلاثة أسباب: لا اريد من بناتي ان يتخلوا ابدا عن حقهم، وأريد من هؤلاء الشباب الإسرائيليون أن يفكروا ومن أجل راحتي النفسية للشعور بأن حياتي لها معنى ولا يجب أن أسمح له بمواصلة التصرف هكذا.

نعم، قد تكون هذه قطرة في المحيط، ولكن يجب ألا نتخلى أبدا عن حقوقنا، وينبغي ألا نسمح أبدا لأي شخص بسرقة أحلامنا.

د. جمانة عودة (دكتور في الطب وماجستير في الصحة العامة)
القدس – كانون الأول 2010