أمل هو اسم فتاة، ابنة صديق، كانت احدى مرضاي عندما عملت في غزة. اسمها باللغة العربية يحمل كل معنى الأمل.
أنا في حالة من الصدمة والعجز واليأس.
يجب أن أتصل بجميع أصدقائي وزملائي ومرضاي بغزة، ولكن ماذا أقول لهم؟

هل هم آمنون؟ هل نجوا؟ كيف؟

اتصلت بصديق لي، وكانت ابنته تبكي وتصرخ على الهاتف:
هل أنت على علم بما يجري هنا في غزة؟ هل لديك كهرباء لتشاهدي ما يحصل لنا على الاخبار؟ هل رأيت مثل هذا البؤس من قبل؟!
قتل العشرات من الأطفال وأنا على بعد اقل من ساعتين! كطبيبة يجب أن أشاهد كارثة شعبي على شاشة التلفاز، مثل أي شخص آخر في جميع أنحاء العالم – قمت بمشاهدة التلفزيون والبكاء دون توقف، وحاولت العثور على إجابات لأمل!!

اتصلت بصديق لي وهو طبيب تحليل نفسي. وقام بوصف ما يجري مع عائلته: “لن تصدقي، نحن خائفون جدا، وأنا حزين جدا لأنني لا أستطيع حتى إخفاء خوفي. كيف يمكنني مساعدة أطفالي؟ لقد فقدت مصداقيتي كأب وطبيب أمام أطفالي، وأشعر بالعجز الشديد”.

فلسطين، رام الله، شارع الارسال. عمارة سنرايز. الطابق الخامس، رقم 503
هاتف / فاكس ٠٠٩٧٢٢٢٩٦٤٤٨٢ ص.ب ٥٤٩٦٣ القدس،
البريد الإلكتروني: phcc99@palnet.com، www.phcc-pal.org

“ننام جميعنا ملتصقين ببعض لنشكل جسد واحد حتى نموت سويا إذا متنا! من المؤلم جدا أن تشعر بهذا القدر من الخوف، وانت تفقد الرغبة بالعيش! كما انه ليس هناك فرق بين الحياة والموت!”
وأنا ابكي.

أحاول الاتصال بصديق آخر وهو طبيب أطفال يعمل في المستشفى: “ماذا يحدث هناك؟” يرد على الهاتف بصوت حزين وهادئ: “من الصعب أن أشرح لك، لم أكن أتخيل أبدا أن يعيش أحد ليشهد مثل هذه الطريقة الوحشية في قتل الأطفال”

إنهم يزرعون رصاص الكراهية والانتقام وعدم الغفران في قلوب أطفال غزة الصغار وفي قلوب الملايين من الأطفال العرب في جميع أنحاء العالم! ماذا سيقول القادة الإسرائيليون للجيل الجديد عن عدوانهم على الأطفال الفلسطينيين؟ ماذا سيقولون لأطفالهم؟ كيف سيجدون الأعذار؟ هل هناك أي عذر لقتل الأطفال؟ ما هو عذرهم؟

“هل رأيت الفتاة الصغيرة على التلفاز وهي متمسكة بذراع المنقذ ولا تريد منه أن يتركها لأنها لا تشعر بالأمان، هل ستشعر بالأمان يوما؟ لن أنسى أبدا طفلا صغيرا آخر أحضر إلى غرفة الطوارئ، لن أنسى أبدا صرخته الصاخبة العميقة: “ماما”، أتذكر دموعه، وتساؤل عينيه، كما لو كانتا تقولان: “ماذا فعلت؟ لماذا؟” أتمنى أن يسمع القادة الإسرائيليون هذه الصرخة! كيف سيشعرون؟

هل يعرف القادة الإسرائيليون شعور الأم وهي تركض بين المستشفيات لتبحث عن زوجها أو ابنها أو ابنتها؟ هل هم مجروحون أم على قيد الحياة، هل سينجون؟ هل ستنسى يوما أو تغفر لهم؟ كيف يمكن أن تنسى؟ كيف يمكن أن تغفر؟

هل يعرف القادة السياسيون شعور الطبيب وهو يعالج طفل بدون هوية مصاب وليس لديه أسرة من حوله؟

من هو الفائز في هذه الحرب المجنونة التي لا معنى لها؟

يستمر القتل والقصف والذبح وتسبيب العجز للنساء والأطفال! ماذا يتوقعون في المقابل؟

إنها جريمة تاريخية ترتكبها إسرائيل بأمتها ولا رجعة منها!

ماذا حققت إسرائيل خلال ستين عاما – دولة عسكرية بدون قيم ولا اخلاق ولا ضمير ولا مبادئ ولا حدود ولا تحترم لأي إنسان! كيف ستدوم إسرائيل؟

كأم وإنسانة وامرأة ذات مهمة إنسانية تجاه أطفالنا تمكنهم من أن يحلموا ويغفروا ويحبوا ويعيشوا بسلام وكرامة، كيف سأواصل مهمتي من أجل مستقبل أفضل لجميع الأطفال الفلسطينيين وأطفال العالم؟ كيف سأطبق ثقافة من السلام والغفران وتقبل الغير بعد هذا القتل المنهجي للأطفال الفلسطينيين؟ لقد انضممت للتو إلى قائمة مكرمين عالم الأطفال لأصبح واحدة من ثمانية صناع التغيير اللذين ساهموا بتحسين حياة الأطفال بشكل كبير بسبب عملهم الرائع على الأرض! وقد حصلت للتو على جائزة دولية، “جائزة نوبل للأطفال”.

كيف يمكنني مواصلة هذه الرؤية والمهمة التي تم تكريمي للقيام بها؟؟

إنها كارثة إنسانية ضد الأطفال الفلسطينيين في غزة. إن ما فعله الإسرائيليون هو عمل عدواني ضد جميع أطفال العالم. ليس لديهم أي عذر! الأطفال هم أطفال في كل مكان.

استمرت أمل بالاتصال بي للتعبير عن مشاعرها وإخباري بقصصها والاحداث التي شهدتها: “نحن خائفون جدا ولا نستطيع النوم ليلا ونهارا. انهم يستمرون بالقصف في كل مكان ومن كل مكان. أصدقائي قاموا بالهروب من منازلهم الى مدرسة الأونروا، وفي اليوم التالي قصفت المدرسة أيضا. كان هناك قتلى في كل مكان. لم يكن هناك مكان آمن، ولا حتى في صدور أمهاتنا. قصف منزل أصدقائي وبقوة لساعات وهم متشبثون بجسم أمهم – لا يتحركون ولا يتنفسون من الرعب، حتى اكتشفوا في وقت لاحق أن أمهم متوفية.”

ماذا يجب أن نقول لهؤلاء الأطفال؟ كيف يمكننا أن نشرح لهم ما حدث ولماذا؟

عزيزتي أمل: ليس لدي إجابات عن أسئلتك. وأنا أتساءل أيضا – هل فكر القادة الإسرائيليون في العواقب الأخلاقية والسياسية؟ هل فكروا في مشاعر الجماهير في شوارع العالم بأكمله؟ هل فكروا في تأثير هذه الحرب القبيحة والمجنونة والمناهضة للحضارة والانسانية؟ هل فكروا في تأثيرها على مستقبل الأطفال الإسرائيليين؟ هل فكروا في تأثيرها على الأطفال الفلسطينيين؟ هل فكروا في تأثيرها على الأطفال في جميع أنحاء العالم؟

عزيزتي أمل، أعزاءي أطفال العالم: ما قامت به إسرائيل وما تزال تقوم به هو أمر فظيع وغير أخلاقي. كنت على وشك فقدان قيمي الثمينة التي كانت دائما لدي — الحب والأمل والغفران! وقد علمتني هذه التجربة الفظيعة أن يمكنهم أن يسرقوا أرضنا ويمكنهم أن يقتلوا أطفالنا ومن نحب ويمكنهم أن يدمروا منازلنا وعياداتنا ومساجدنا وكنائسنا ومدارسنا ومستشفياتنا ويمكنهم أن يهزموا قادتنا، ومع ذلك لن يتمكنوا من سرقة أحلامنا وآمالنا!

عزيزتي أمل لا تتوقفي عن الحلم!
سيأتي السلام العادل يوما ما!

بقلم: د. جمانة عودة (دكتور في الطب وماجستير بالصحة العامة)
رام الله – فلسطين
آذار 2009