“أيتها الطبيبة ارجوك ساعدي ابني. لم يتبقى الكثير من الوقت، سيتم فرض حظر التجول مرة أخرى خلال نصف ساعة. عمر يعاني من التشنجات وأنا على الحاجز شمال رام الله ولا أعرف ماذا أفعل؟ فالجنود لا يسمحون لنا بالمرور الى رام الله ”

يا إلهي، ماذا علي أن أفعل؟ أين يجب أن أبدأ؟ ماذا يجب أن افعل أولا، احضر الدواء للأطفال الآخرين، احضر الدواء لعمر مباشرة، أو احضر الدواء لعمتي المسنة المريضة؟

لا، يجب أن أذهب لأرى عمر أولا. ولكن دوائه ليس هنا. كنا قد اعطينا كل ما كان لدينا منه لأطفالنا في رام الله. ولتوفير الوقت، تركنا البعض من الدواء مع الجزار والبقالة وبعض الأقارب، حيث تم رفع حظر التجول لمدة ساعتين فقط بعد 12 يوما من الإغلاق التام.

أنا على نقطة تفتيش أخرى جنوب رام الله أحاول الوصول إلى صيدلية للحصول على الدواء،

جندي إسرائيلي: “ممنوع، لا يمكنك العبور”.
“ولكن أنا طبيبة واحتاج الوصول إلى تلك الصيدلية هناك لإحضار الدواء لمرضاي”
“لا، لا يسمح لك، انها مغلقة”
“حسنا. سأترك سيارتي هنا وامشي إلى هناك ويمكنك ابقاء هويتي الشخصية معك حتى أعود”
“لا، لا يمكنك …”
“نعم، أستطيع، و سوف اذهب. من هو الضابط هنا؟ ”
“أنا الضابط، ماذا يحدث هنا؟ ”
“أني روفات يلاديم”، (بالعبرية). أنا طبيبة أطفال وبحاجة لإحضار الدواء لأطفالي المرضى من تلك الصيدلية القريبة وهذا الجندي لا يمكن أن يفهم مدى أهمية هذا الأمر بالنسبة للأطفال وبالنسبة لي؟ إنه لا يريد أن يستمع الى لغة الانسانية، انه يستمع فقط الى لغة الحرب والعدوان؟”
“علي الذهاب”. أعطيت الضابط هويتي ومشيت نحو الصيدلية!
بدون تعليقات!
عدت وانا أحمل صندوق كبير جدا، فأتي الضابط نحوي للمساعدة!
“لا شكرا، أنا لست بحاجة لمساعدتكم. أستطيع تدبير نفسي، ولكن علموا جنودكم كيفية التصرف. هل تريد أن تعامل كما كنت تعاملنا؟
“بالطبع لا”.
“هل ترغب في مشاهدة طفل يعاني من التشنجات وحرمانه من المساعدة الطبية؟”
“بالطبع لا”.
“حسنا. نهارا سعيدا”.
“وأنت ايضا.”

أسرع لرؤية عمر وأتصل بوالده:
“أنا قادمة، أنا في طريقي اليكم، لا تقلقي سوف يكون على ما يرام، كيف حاله الآن؟”
“هو بخير الان. توقفت نوبات التشنج، سنكون في انتظاركم بالقرب من الدبابة الكبيرة، هناك عدد من سيارات الجيب ودبابة هنا عند نقطة التفتيش.”

أقفز من سيارتي وأنظر الى عمر. مسكين، انه يبدو متعبا جدا. ركض باتجاهي حالما راني،
“أيها الطبيبة، سقطت على الأرض. أنا لا أريد أن أسقط مرة أخرى لا أريد ذلك!” (كان عمر يصف نوبات الصرع)

قال لي والده وعيونه تملؤها الدموع “دكتورة، أتذكرين كيف لم يعاني عمر من تشنجات لأكثر من ستة أشهر. كنت مسرور جدا أنه كان يستجيب للعلاج. ولكن قبل ثلاثة أيام نفذ من عندنا الدواء وبدأت التشنجات السيئة تعود ولم نستطيع القيام بشيء”
“لكنني قلت لك أن تتصل بي أو تحاول الحصول على المزيد من الدواء قبل ثلاثة أيام على الأقل من نفاذ الكمية التي لديكم”.
“نعم دكتورة، حاولت الوصول إلى رام الله ثلاث مرات، ولكن في كل مرة لم يسمح لي الجنود بالمرور. لهذا السبب أحضرت عمر معي معتقدا أنهم قد يتعاطفوا مع طفل مريض. ولكن كما ترين لم يتعاطفوا”.
“وداعا عمر وداعا حبيبي. لا تقلق، لن أسمح لهذا أن يحدث لك مرة أخرى. سوف تكون على ما يرام”

وأنا على طريق العودة، فكرت مع نفسي ما هذا الوعد! هل سأتمكن من الحفاظ عليه؟ الجنود في سيارة جيب عسكرية إسرائيلية بدئوا بالصراخ أن حظر التجول قد بدأ. أنا متأخرة خمس عشرة دقيقة فقط وبالقرب من منزلي. وانا أحاول الوصول إلى مدخل بيتي، أخذ جندي قنبلة صوتية من سيارة الجيب وألقاها بجوار سيارتي. كنت محظوظة أنني رأيته، لذلك لم أكن خائفة جدا!

اشعر بالاحباط الشديد وأنا أفكر فيما حدث اليوم. وأشعر بالحزن الشديد إزاء حالة بلدي. يحق للأطباء في جميع أنحاء العالم العمل بكرامة، باستثناء الذين يعيشون تحت الاحتلال العسكري.

في يوم من الأيام جاء والد عمر لأخذ دوائه. وعندما وصل إلى مكتبي، سمعني على الهاتف أشرح وأعتذر لأم طفل من قرية بالقرب من جنين بأننا لم نستطع الحصول على دواء معين. وفي اليوم التالي عاد والد عمر مرة أخرى بعد أن قام بالرحلة الطويلة من قريته، التي تتضمن عبور خمس نقاط تفتيش. جاء لإعادة بعض الأدوية التي حصل عليها منا، لأنه اكتشف أن عيادة وزارة الصحة في قريته كانت قادرة على تأمين الدواء الذي يحتاجه. قال لي: “لا أريد لأحد أن يعاني بالطريقة التي عانيت فيها مع طفلي. أرجوك أعطي هذا الدواء للطفل الذي من جنين”

اليوم عمر لم يعد يعاني من النوبات ونحن في عملية إيقاف دوائه تدريجيا. قريبا سوف يتوقف عن اخذ جميع الأدوية المضادة للصرع. وبطبيعة الحال والده وجميع أفراد أسرته سيكونون سعداء جدا.

أما بالنسبة لي، فسوف أكون سعيدة لعمر وعائلته، وسأكون سعيدة لمهمتي ونفسي. وعلاوة على ذلك لن أنسى أبدا موقف والد عمر الإنساني وتعاطفه مع الأطفال الآخرين.

ألا تعتقد أن مثل هذه الأمة تستحق العيش بحرية وكرامة؟

بقلم: د. جمانة عودة (دكتور في الطب وماجستير بالصحة العامة)
مديرة مركز الطفل السعيد الفلسطيني
رام الله – نيسان 2002
البريد الإلكتروني: phcc99@planet.com